وداعآ نيفين

نيفين العزيزه البشوشه الدؤبه المخلصة ..

في بداية تعارفنا ، كنت تأتيني بموضوعات تربوية ليتم نشرها على صفحة حواء وأدم فنجلس معا لتحدثيني عن أفكارك بمنتهى الحماس والاهتمام وكنت أحب تلك الجلسات لأنها كانت تعطيني طاقة وتوسع من النافذة التي أطل منها على عالم الأطفال والتربية.

ثم في اجتماعات المستشارين بالقسم الاجتماعي لاسلام أون لاين دوما لديك فكرة جديدة ومدخل مثير للاهتمام لمناقشة تطوير التعليم في بلادنا.

هناك مثل أستخدمه كثيرا عندما اتحدث عن التربية وقبل أن أقوله دوما أذكر أن صديقتي نيفين عبد الله هي صاحبة هذه المقولة إحنا لما بنشتري تليفون جديد أو تليفزيون أو كاميرا بنفتح الكتالوج علشان نقرأ كل التعليمات لنتعرف على كيفية التعامل مع هذا الجهاز الجديد الغالي حتى لا نخربه ونبذل مجهود كبير في ذلك ، إلا أننا ومع أغلى ما لدينا وهم أطفالنا لا نشغل أنفسنا بالبحث عن الكتالوج أو بالتعرف على هذا الكائن المميز وكيفية التعامل معهم فلا نبذل ولو نسبة ضئيلة من الاهتمام الذي نبذله تجاه الأشياء المادية التي في حياتنا وبالتالي نتسبب في تشويه أبناءنا ونلقي باللوم عليهم

منك عرفت وتعلمت عن نظرية الذكاءات المتعددة ، التي غيرت تماما من إدراكي وتعاملي مع أولادي وكل الأطفال اللي بعرفهم.

نيفين كنت مطمئنة لوجودك بعد الثورة لأن ملف التعليم إن تم التعامل معه في مصر فبالتأكيد مشاركتك ستكون إضافة ، كنت مطمئنة إن مصر فيها ناس مهتمة ومتعلمة ومجتهدة وبتعرف تفكر وبتحب بلدها زيك.

مش عارفة إذا كنت قلت لك قبل كده وللا لأ .. أنا بحبك فعلا يا نيفين وسأفتقد وجودك ، مع إننا مكناش بنتقابل بس كنت مطمئنة إنك موجوده وبتشتغلي وبتغيري في المجتمع ، وكنت بفتخر بإنك صديقتي التي عملت معها في إسلام أون لاين

أودعك صديقتي وأنا مطمئنة أنك في أفضل مكان وإلى لقاء بإذن الله

الخاتم

مرَّ أربعون يومًا، وما زال تحرُّري من السرير كل صباح معركة أنتصر فيها حتى هذه اللحظة، ولكن الأرض تدور وعقلي يدور معها، لا أعرف أين رأسي، ولا أين قدماي، أمشي بظهر مستقيم، وخطوات ثابتة لا تُوحي لمن يراني أنني أشعر بالدوار، أو أن هناك عاصفة تجتاحني، قلبي ينبض بعنف مؤلم، يصاحبه شعور بأن الصحراء سكنت رُوحي.

عقلي، أين أنتَ؟ هل مازلت موجودًا؟ يبدو ذلك؛ فأنا أسمع أوامركَ بأن أسيطر على مشاعري وأبدو متماسكة. منذ قليل كنت أبحث عن مكان آمن؛ لأضع فيه الخاتم قبل خروجي من البيت وذهابي للعيادة، فكرتُ أنه يجب أن يعلم شخص ما بمكان وجوده في حال إذا لم أعُد؛ يجب أن يعلموا مكان الخاتم، ولكنك دومًا تخبرني بأنني أهتم بأشياء صغيرة، لا تبدو على هذا القدر من الأهمية.

———————–

في عيادة أنيقة بالمعادي، حديثة التأثيث والطراز، رحبت بي غرفة الاستقبال بألوانها الهادئة ، وصوت خافت لمياه جدول تنساب في الخلفية، شعرت وكأنني دخلت عالمًا توقف فيه الزمن. ابتسم لي السكرتير، وفي تمام العاشرة دعاني للدخول لغرفة الدكتورة سلوى، وهناك كانت تجلس صديقة عمري تراجع في دفترها ملاحظاتها عن زياراتي السابقة..

كلما رَغِبَتْ فيه لم تجده، فهو كالظلال أو السراب، لم تعتَد غيابه عن الفراش بالرغم من كل تلك السنوات. مر واحد وعشرون عامًا على زفافها، كانت ليلة العرس قبل بدء رمضان بليلة واحدة؛ وذلك لظروف سفر مفاجئة للعمل، فلم يكن متاحًا الزواج في موعد آخر؛ لأن ذلك يعني أنها لن تحظى بحفل يحضره كل الأهل والأصدقاء، ولكنها تذكر أيام حبهما في الجامعة، وفي أحد نهارات رمضان حين التقيا عند القلعة، وحاول أن يمسك يدها وأن يقبلها.. فهي كانت متأكدة أنه سيرغب فيها، ولن يتركها في ليالي رمضان بعد زواجهما.. إلا أنها لا تذكر منذ ذلك اليوم سوى احتياجها له وانصرافه عنها!

هو يحبها، تؤكد مريم على هذا الأمر باستمرار، وتشير لما يعنيه الحب من وجهة نظره، أو وجهة نظر المجتمع، أو من وجهة نظري؛ لأنها تريد أن تقنعني بأنه يحبها بكل الطرق الممكنة. في الحقيقة هي تحبه، ولا تستطيع الاستغناء عنه، وهذا ما لا يمكن تجاهله، ولكن صوتها على الهاتف، وهي تخبرني برغبتها في مقابلتي اليوم، لا يوحي بأن هذا ما أتت من أجله لعيادتي“.

——————–

دخَلْتُ الغرفةفلاحظت سلوى أن ملامحي تبدلت، فلا تبدو عليها النضارة والحيوية المعتادةوبعد تحية سريعة اعتدَلْتُ في جلستي، وبدأت أتكلم وكأنني أحدث نفسي: أنا أكره خالد، لم أعد أستطيع تحمل النظر إليه.. طلقني مرتين، وأعيش الطلاق الثالث الآن. أجابتني سلوى: كيف؟! لا يمكن أن يكون قد طلقك؛ فأنت لم تخرجي من بيتك، ولم يسمع أحد عن هذه القصة من قبل. أهمس وكأني أهذي: هل الطلاق هو كلمة أم أنه إحساس بالحرمان؟ إنه يا صديقتي، التجاهل التام وكأنكِ أصبحتِ غير موجودة فعلا، فلا يلامسك، ولا يتعامل معك، ولا ينظر إليكِ، فكأنكِ تحولتِ لهواء لا يمكن رؤيته.

ولكنكِ أكدتِ لي في آخر زيارة أنه يراكِ حبَّه الوحيد، وأن الأولاد هم أهم شيء في حياته، وأنه يعمل ساعات طويلة لتوفير كل احتياجاتكم.

أسترسل بدون النظر لسلوى: مر أربعون يومًا على تركه المنزل؛ أشعر بأن حياتي توقفتْ.

تترك سلوى مكتبها وتقترب لتجلس في الكرسي المقابل لي..

لم تتوقف يا مريم، فأنت حاضرة في حياة أولادك بعمق، وتساعدين صديقتك لتنتقل لبيتها الجديد، وتشاركين أمَّكِ مشروعاتها الصغيرة الكثيرة، تتواصلين مع بنات أخيك، وتستمعين لحكاياتهن، تعدين الإفطار والغداء، تنظفين البيت، وتذهبين لشراء احتياجاته، ما زلتِ تقرئين وتكتبين.

وكأن كلمات سلوى جعلتني أدرك أنني فعلا على قيد الحياة؛ فتماسكت ونظرت إليها، وبدأت أتحدث وكأني دخلت الغرفة الآن فقط: ما أحتاجه من خالد هو بعض الوقت والمشاركة والمودة والسكن، ولكني عشتُ معه الوحدة والاغتراب، قاومت تلك المشاعر بمنتهى الشراسة؛ بتجاهلها مرات، وبتغيير قنوات الصحبة والمشاركة، حافظت على مشاعري على مر الأيام؛ لأن الحب الذي وضعه الله في قلبي ما كان إلا لاحتضانه ومشاركته الحياة.

أتوقف لحظة لأشعل سيجارة ثم أكمل: الحياة هي التفاصيل.. هي الدقائق والساعات التي نعيشها كل يوم.. هي إعداد الإفطار معًا.. الذهاب للطبيب.. شراء احتياجات الأولاد.. شرب فنجان الشاي وقت المغرب في الشرفة.. هي قراءة كتاب وهو بجانبي يعبث في أوراقه أو يشاهد أحد برامج التليفزيون.. هي أن نتشارك الأحلام والحياة.. أن أشعر بمخاوفه فأطردها عنه.. ويعرف احتياجاتي فلا يحرمني.. أن يراني وأن أراه. ما تغير يا سلوى هو أننا لا نعيش تلك التفاصيل معًا؛ فخالد لم يعُد يراني!.

عدتُ لشرودي مرة أخرى، الذي لم تقطعه سلوىكعادتهاعند زيارتي لها في العيادة، وبعد لحظات قررتُ أني تأخرت، وأنني مضطرة للرحيل، على أن أحدد الموعد التالي مع السكرتير، وأنا في طريقي للخروج.

———————–

وصلتُ بيت أبي، وانهمكت مع أمي بتجهيز الملابس الصيفية القديمة؛ لتوزيعها على اللاجئين في القاهرة، فوقعتْ يدي على ملابس تخصني منذ أيام الجامعة، مرارًا رفضت توزيعها لسنوات طويلة.

فجأة تتوالى الصور أمام عيني؛ فأذكر كل التفاصيل بالألوان وكأنها حدثت أمس. خصلات شعري حرة بعد تقصيرها؛ حتى لا يشغلني تصفيفها كثيرًا، ألبس لأول مرة قميصي القطني التركواز، والتنورة القطنية البيضاء ذات الخطوط السوداء والنقاط التركواز، وحذائي الجلدي الأسود بدون كعب الذي أتحرك به في كل مكان، كنا نتمشى في شارع قصر النيل بعد انتهاء لقاء شعري حضرناه معًا حين مر علينا بائع الفل، فهو الربيع ورائحته لا تقاوم، اشترى لي خالد أربعة عقود من الفل؛ شعرتُ بأنني أطير فوق السحاب، وابتسامتي أنارت وجهي الذي تورد من الخجل.

بعدها بأيام معدودات وتحت أشجار حديقة كلية الآداب، قال خالد، بحياء وارتباك، ما يعبر عن حبه لي؛ فأكدتُ له أن مشاعره هي نفس مشاعري. مرّ على هذا اليوم سبعة وعشرون عامًا، حافظتُ فيها على مشاعري تجاهه، لم أختر أن أحبه، ولم أفهم هذا الأمر يومًا؛ فالاختلاف في طباعنا كبير، والمسافة بين شخصيَّتيْنا واسعة؛ فأنا تلقائية، أحب الغناء، أضحك بصوت عالٍ، أما هو فجادّ بصورة غير متناسبة مع عمره، لا يبتسم، متحفظ ومدرب ككادر سياسيّ، سافرتُ كثيرًا حول العالم، بينما هو لم يخرج من مصر يومًا، جمعتنا الثقافة وفلسطين ومشاعر لم أفهم يومًا من أين أتت، بدأت باحترام وتقدير لاهتماماته في الحياة، ثم تطورت لمشاعر اهتمام وحب وعذابات في غيابه.

لاحظتْ أمي شرودي، وتوقفي عن فحص الملابس؛ فسألتني بامتعاض: ألن تتخلي عن هذه الملابس أبدًا؟ لمْ أجب عن سؤالها، ولكني انتبهت، فأكملت ما بدأناه، وظل عقلي معلقًا في تلك المشاعر التي لم تفارقني، عندما يغيب أفتقده، عندما يسافر أشعر بلهفة ليوم عودته، قلبي يخفق مع مشاهد الحب في الأفلام والمسلسلات، وكأننا مازلنا عُشاقًا في الجامعة، وفي رأسي ظل سؤال يتردد: ما الذي تغير؟!

بعد انتهائنا من اختيار الملابس قبَّلتني أمي، وسألتني: متى تحدثتِ مع أختك آخر مرة؟ أشتاق إليها كثيرًا، ولا أعرف كيف أستخدم الآيباد مثلكم؛ لأتحدث معها، أخبريها أنني أريد أن ألقاها في مصر، وأنني لا أستطيع السفر لكندا مرة أخرى، لا تقلقي يا أمي، سأتحدث معها بعد قليل، سأخبرها وأقبلها بالنيابة عنك.

————————–

كنتُ على موعد مع باسم ونسمة؛ لأصطحبهما للنادي، ليلحقا بتدريب كرة السلة والبيانو. طوال الطريق من البيت للنادي لا يتوقف الصراع بينهما على الأغاني التي سنسمعها، واتفقنا أن يكون لكل منهم اختيار لأغنية واحدة بالتبادل. أسمعتنا نسمة أغنية آديلالأخيرة، أما باسم فلا يرضى عن منيربديلا، وأنا أرجوهما الاستماع لإحدى أغنيات الثورة لفرقة إسكندريلا.

في ساحة انتظار السيارات بالنادي قلت لهما كعادتي: سأتصل بخالتكما، وسأبقى هنا في انتظاركما فلا تتأخرا.

ألتقط الآيباد، وأقرر أنني لا أريدها أن تسمع صوتي، فسأكتب لها على الوتسآب حتى لا تنزعج، ولكن بعد السلام وصور القبلات والقلوب المعتادة المرسلة من أمي لها، تطلب مني أن نتحدث لأنها مشتاقة وترغب في سماع صوتي، أخبرها بأن لدي مشكلة في الصوت، وأحاول تغيير الموضوع، إلا أنها تشعر بأنني أتهرب، وأن هناك أمرًا ما؛ فتسألني بشكل مباشر: ما بكِ؟ لا تقلقيني عليك تكفيني الغربة.

لا شيء جديد، خالد غاضب قليلا، ويتجنبني كالعادة؛ فلستُ في أحسن حالاتي، لا شيء يدعو للقلق.

فلتطلبيني إذًا لأسمع صوتك.

هي تسمع صوتي بقلبها؛ ولهذا قررت المماطلة قليلا، وكتبت لها: هو لا يراني كما أنا، هو يرى ما يحتاجه مني فقط، يجب أن أتفرغ للأولاد، ويجب أن أكون متاحة دومًا ومتفرغة له، وفي نفس الوقت لا أكون لحوحة في الاتصال به أو ملاحقته، جميلة أنيقة رقيقة مستعدة له حين يريد ذلك، يحتاج إلى أن أستمع له، ولكن التطور الأخير أنه أصبح له مستمعون كثر؛ فلم يعد هذا الدور من أدواري الرئيسية!.

ما إن انتهيتُ من كتابة هذه الجملة حتى وجدتها تطلبني، فشعرت بأن وقت المواجهة الذي أجلته طويلا قد حان؛ فلم أستطع المراوغة أكثر، ولم أملك إلا أن أردّ عليها..

قالت: كلي آذان صاغية، احكِي لي ما بكِ حقًّا..

سأحكي لك يا هالة، سأحكي ما أخفيته عنكِ وعن أمي، طوال سنوات زواجي وحتى اليوم..

خالد هددني بالطلاق أول مرة صيف ٢٠٠٤، خالد مَن طابت رُوحي عند لقائه، ومن اخترتُ أن أكمل حياتي معه، ولطالما دعوتُ ربي أن نكبر معًا ونشيخ سويًّا، قال: “لا يمكن لحياتنا معًا أن تستمر“. هذا ما قاله بعد سوء تفاهم حدث بيننا، وبدأ البحث في إجراءات الطلاق. حاولت أن أستعيده بكل الطرق؛ لأني أحبه، ولأني لم أفكر حتى في أصعب لحظات حياتنا أنني أريد الطلاق، ضخامة المفاجأة وقتها تسببتْ في ألم وحزن لا ينتهيان. لكن أذكر أنني بعد فترة أقبلت على الحياة بقوة، واستطعتُ رؤية وإدراك أبعاد جديدة لنفسي وحياتي، وشُفِيَت رُوحي.

ثم هددني بالطلاق مرة ثانية بعدها بتسعة أعوام، فكانت التجربة أعمق؛ فتركت جراحًا لم تندمل، ولكن غريزة البقاء غطتها بطبقات من الرضا والتقبل. قررت وقتها أن هذا هو فعل الحسد والعين أو الشيطان، وأنه بإذن الله سيعود لرشده؛ لأنه لم يكن هناك موقف أصلا يجعله يصل ويقرر ويخبرني بأنه سيطلقني، وأنه سيتركني أنا والأولاد، وأنه سيسكن في بيت آخر! في المرة الثانية أيضًا انهرتُ تمامًا لأنني لا أريد الطلاق، فبالرغم من أن حياتنا بها منغصات فإن الأشياء الرائعة بها أكبر.

منذ أربعين يومًا بدأ في تهذيبي وتأديبي، ببناء الجدار العالي والسميك بيننا كعادته، في مثل هذه الحالات، فهو لا ينظر لوجهي، ولا يتحدث معي، أو يرد على سلامي، ولا يأكل في البيت، وكأنني غير موجودة، ويخبرني بأنه سيطلقني إذا كررتُ هذا الخطأ، لا أستطيع التنبؤ متى ستأتي نوبة غضبه القادمة، ولا أعرف كيف ستنتهي هذه التجربة الثالثة للطلاق، أخاف مما قد أخسره، وأحاول بكل ما تبقى لديّ من قوة أن أحيي مشاعري، وأقنع نفسي بوجودها، ولكنه يقتلها بكامل إرادته، في كل مره يعلن قراره بالطلاق..

ضمتنا لحظات صمت طويلة، وكأننا فقدنا الاتصال، ولكني كنت أشعر بها، وكأنها معي داخل السيارة.. وبدأت أرى الكلمات تصلني على شاشة الآيباد..

الحياة مشوار قد يقصر أو يطول، ولكنه مشوار سنمشي فيه فرادى؛ لأننا في النهاية سنقابل ربنا وحدنا، ولكننا نبحث في طريقنا عن أشخاص أو أشياء تؤنس وحشة طريقنا.

لن نحصل على كل ما نريد؛ لأن ما نريد مركب ومتفرد، ولا يحتاجه شخص آخر بنفس التفاصيل؛ ولهذا لن نجد السعادة كما نتصورها، ولكننا نحاول أن نشعر بالسعادة بما لدينا من أشياء وأشخاص..

ليست مسؤولية هؤلاء الأشخاص الذين نصادفهم في حياتنا أن يقدموا لنا كل ما نحتاجه..

ولكن مسؤوليتنا هي أن نجد ما نبحث عنه في طريقنا..

فمسؤوليتنا هي أن نكتفي بأشخاصنا، وبما هو متاح لنا من أسباب السعادة..

فجأة يُفتَح باب السيارة، وتدخل معه الحياة والهواء والضجيج، يقول باسم: هل مازلتما تتحدثان؟ يا إلهي، ألا ينتهي الكلام؟ من أين تأتيان بكل تلك الحكايات؟ تقاطعه نسمة: نفتقدك يا خالتي، ألن تفي بعهدك وتأتي لزيارتنا بدلا من تلك الزيارات على الإنترنت؟.

سأحاول، ولكن حتى أصل إليكم قبِّلوا جدتكم بالنيابة عني، وأعطوها أحضانًا لا تنتهي، إلى اللقاء، إلى اللقاء.

———————–

دخلت سريري وحدي كالعادة، وأخذت أحدث نفسي..

أنا أتنفس فعلا وأتحرك وآكل بشراهة، ولكن هناك صحراء تسكن رُوحي، أعلم أن عليَّ البقاء حية؛ لأن هناك مَن يحتاجني في هذه الحياة، التغيير يحدث ولا أملك أن أوقفه، كيف يحدث ذلك؟ لطالما كنت أسيطر على مجريات حياتي، ودائمًا عندي خطة وخطة بديلة، أسيطر على مشاعري، وأتحكم في ردود أفعالي، عندما أرتبك أقف وأتأمل وأكتب وأتحدث؛ حتى أصل للطريق الجديد الذي سيساعدني على استكمال الحياة، ألجأ للحب والقناعة والرضا والحكمة، ألجأ لخبرات الآخرين.

لم تعد لي السيطرة على أي شيء، كل يوم أستيقظ لأكتشف أين وصلت مشاعري، واليوم اخترتُ أن أخفي خاتم زواجي للمرة الأولى منذ واحد وعشرين عامًا، ولا أعلم إن كنت سأرغب في استعادته مرة أخرى. قد يكون أمرًا غير ذي أهمية، كما أخبرني عقلي صباح اليوم، سأنتظر لأعلم.

—————

أقف كل صباح أمام نتيجة الحائط بغرفتي وأكتب رقمًا، غاب عني تسعين يومًا، والأيام ما زالت تمضي. خلال سنوات زواجنا كتبت أرقامًا على نتيجة الحائط مرات ومرات، لكن أقصى أيام الغياب كان ستين يومًا. في كل مرة أحزن وأشتاق؛ فيخبرني قلبي بما يجب عليَّ فعله حتى يتوقف العدّ على صفحة النتيجة، وكنت أنجح في الاقتراب والاطمئنان مرة أخرى في حضنه، ولكن اليوم طاقتي نفدت.

كان رد فعلي دومًا على غيابه هو التحمل والتقبل والصبر وتهدئة الأمور، وعدم التصعيد، ولكن ما جهلته أو تجاهلته هو أن هناك دومًا حدودًا، حدودًا لم أكن أعلم مكانها، ولكنه دفعني دفعًا، وضغط بكل ما لديه من قوة ليقذف بي إلى ما بعدها، ليتوقف نبض قلبي ليحرم نفسه، ويحرمني من الحب..

امسكتُ هاتفي المحمول، وكتبتُ رسالة أخيرة أنا اخترتُ أن أعيش معك، وأن أتنازل عن حريتي الكاملة، كان عندي بيت وأهل يعطونني ما أحتاج إليه من حنان واهتمام، كان عندي عمل وطموح وأحلام، كانت الدنيا كلها ملكي، وكل الأحلام مسموحة. اخترتُ أن أشاركك حياتي من أجل الدفء والصحبة، ولكن ما حصلتُ عليه في النهاية هو البرد والوحدة، اختياري لم يكن لبيت كبير، ولا لسيارة حديثة فارهة، ولا للسفر، ولا للأكل في فنادق الخمس نجوم.. أنا اخترتك لآنس بك، وأطمئن بوجودي بجوارك في هذه الحياة القاسية.. عشتُ أشعر بوحدة، وكان مَن يؤنس وحدتي هم أهلي، مَن تركتهم لآنس بك!”.

وبالطبع لم يأتِني رد..

توقفت مشاعري، ولم أستطع فهم هذا الأمر حتى الآن.. لا أشعر بحنين أو ألم لهجرك لي.. بل إصرار على المضي قُدمًا وحدي في تلك الحياة، كما بدأتها معك وحدي.. أودِّعك يا توأم رُوحي.. فغدًا سيكون اليوم الأول من العام الجديد، والبداية الجديدة لحياتي.

14 يناير 2016

عالم ليس لنا

بعد اثنتان وتسعون دقيقة خرجت من المخيم وأنا أشعر بأنني سجينة، بأنني حبيسة داخل مساحة ضيقة ، لا أستطيع التنفس. هذا هو مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا بلبنان مكان ومركز أحداث الفيلم التسجيلي ” A World Not Ours ” الذي تم عرضه في المركز الثقافي الهولندي بالقاهرة مساء الأحد ٢٩ مايو ٢٠١٦ في إطار برنامج ثقافي فلسطيني على مدار شهر مايو في ذكرى النكبة الثامنة والستون. أنتج الفيلم عام ٢٠١٢ وهو من إخراج الفلسطيني مهدي فليفلة من مواليد المخيم في تجربته الأولى في الإخراج، ويعد الفيلم سرد شخصي لعلاقته بالمخيم.

البناء الأساسي للفيلم قائم على تسجيلات فيديو عائلية قام بها والد مهدي وخاله ثم لاحقا تسجيلا مهدي بنفسه. كان والده يسجل كل لحظات حياته وحياة أسرته من خلال عدسة الكاميرا بهدف إرسالها لأهله في مخيم عين الحلوه بعد هجرته إلى الدانمارك. وفي المقابل كان يقوم أخوه في المخيم بتصوير تفاصيل حياتهم العائلية ، وتصوير التغيرات التي تطرأ على المخيم ويرسلها لأخيه في الدانمارك.

مباريات كأس العالم لكرة القدم وأبو إياد وخال مهدي وجده هم أبطال الفيلم الذي تدور أحداثه حول تصورات الطفل مهدي عن محل ميلاده مخيم عين الحلوه وما كان يعني له في طفولته والتطورات التي طرأت على المخيم وعلى إدراك وشعور مهدي به.

هاجر مهدي مع أسرته للدانمارك في أوئل الثمانينيات وهو طفل في حوالي العاشرة من عمره. كان والده حريص على قضاء العطلة الصيفية كل عام في المخيم ، وكان مهدي يعتبر المخيم هو أجمل بقاع الأرض وكان المخيم هو فلسطين بالنسبة له.

يجلس الجد على كرسي أمام باب الدار في واحدة من حارات المخيم من أول لقطة وحتى أخر لقطة بالفيلم . وصل جد مهدي إلى عين الحلوه عام ١٩٤٨ وعمره ستة عشر عاما ورفض ترك المخيم في أي مرحلة من مراحل حياته ، حتى عند اصرار ابنه على اصطحابه إلى الدانمارك وذلك حتى لا يسقط حقه في العوده. ظل داخل المخيم ٦٤ عام ومازال في انتظار العودة إلى داره في قرية صنور.

لقطات متابعة سكان المخيم وبخاصة الأطفال والشباب لمباريات كأس العالم تطورت من الحماس والاحتفالات والاستمتاع إلى عدم الاهتمام بالمتابعة وعدم وجود نفس الروح داخل المخيم بسبب صعوبة الحياة والاحباطات المتتالية لمن كانوا أطفال وشباب في الثمانينيات والتسعينيات.

في أواخر الثمانينيات نشأت علاقة صداقة بين مهدي وأبو إياد الشاب المشارك في الثورة الفلسطينية وعضو منظمة التحرير الفلسطينية وفتح، الحالم بالنضال حتى النصر والمؤمن بحق العودة، إبن المناضل المشارك في الثورة في فلسطين. ومع أحداث الفيلم نتعرف على عالم أبو إياد وتطور حياته داخل المخيم التي بدأت بالإيمان بالمنظمة وبالنضال لتحرير فلسطين مرورا بتسليمه بطاقة عضويته لفتح وغضبه من القيادة السياسية التي تنازلت عن حقه في العودة بعد إتفاقية أوسلو إنتهاءا بقراره السري عام ٢٠١٠ بالهروب عن طريق البحر للجوء إلى أي دولة أوروبيه وقوله في لبنان لا يحق لنا العمل ، ولن نعود لفلسطين ، وداخل المخيم لا توجد حياة “.

مهدي وصف خاله محمود بأن الشخص الوحيد الذي يمكنك الحديث معه حديث هادئ ولا يتحدث عن القتل والضرب والخناق وكان هو وأخوه جمالأسطورة المخيمأصدقاء مقربين شاركوا في الدفاع عن المخيم وقت عدوان الجيش اللبناني عليه في منتصف السبعينيات وتركوا المدرسة ليشاركوا سكان المخيم في إعادة بناءه بعد تدميره من قبل الجيش اللبناني ، ولكن منذ استشهاد جمال وخاله محمود تغير ولم يعد كما كان .. أصبح منطو لا يتحدث ولا ينشغل سوى بالحمام والعصافير التي يقوم بتربيتها على سطح بيتهم في المخيم. 

في أحد المشاهد التي تنقل لك الشعور ببطء مرور الوقت في المخيم ، يطلب الخال محمود من مهدي أن يصور عصفوره الصغير الموضوع في القفص وفي هذه اللحظة الرقيقة تظهر قطه على السطح وتقترب من القفص فيقوم وبمنتهى العنف والقسوة بضربها وشتمها حتى لا تلتهم عصفوره ثم وفي اللحظة التالية مباشرة لاختفاء القطة يعود لرقته وهدوءه ليعتني بالعصفور ويتأكد أنه بخير ويخبر مهدي هاي الملعونة كان بدها تاكل العصفور ويطلب منه مرة أخرى أن يصور العصفور. في هذا المشهد تستطيع أن ترى التناقض ما بين الرقة والعنف داخل هذا الرجل الذي تشعر بتوتره وحزنه وغضبه بدون أن يفتح فمه أو ينطق بكلمة واحدة وتستطيع أن تربط ببساطه بين حالته ومكان معيشته.

وفي مشهد ختامي نعرف أن السلطات اليونانية قامت بترحيل أبو إياد بعد بقاءه فيها حوالي ٦ أشهر فقط وأعادته لمخيم عين الحلوه في حين عاد مهدي للدانمارك في نهاية عطلته الصيفية، مستعيد مقولة بن جوريون الأباء سيموتون والأبناء سينسون مؤكدا أنه لكان يمكنه قضاء عطلاته الصيفية في حقول جده في قرية صنور بدلا من مخيم عين الحلوه لولا وجود بن جوريون في فلسطين.

الجزيرة

رافقته في رحلة عمل مفاجئة إلى جزيرة في البحر المتوسط لم تفكر يوما في زيارتها. لم تتوقع الكثير ولكنها قررت الاستمتاع بهذا النشاط غير المخطط وان تترك لنفسها العنان للاسترخاء والاستكشاف. مدينة صغيرة بشوارع ممهدة بشكل بدائي وبنايات لا تزيد عن ثلاثة طوابق. السيارات من مواليد الثمانينيات والتسعينيات ذات ألوان باهته وكأنها خرجت لتوها من موقع تصوير لفيلم سينمائي. ملابس المارة ذات خطوط بسيطة ولا يستوقف نظرك أية ألوان على الإطلاق.

تأخر عليها في موعد عمله الصباحي الأول وكانت قد انتهت من الغذاء في مطعم الفندق الذي يمكن وصفه بأنه بيت أسرة قررت استضافتهم. ابتسامة تلاحقها أينما ذهبت من عاملة الاستقبال التي ألقت عليها تحية الصباح وقدمت لها وجبة الإفطار ثم ساعدتها على التعرف على معالم المدينة للقيام بجولة سياحية بها.

صعدت إلى غرفتها ذات الشرفة المطلة على البحر في إنتظاره ، وأخذت التساؤلات تلح عليها. ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ألم تأخذي قرارا بألا تستمري وأنت على هامش حياته! أم أنك أضعف وأجبن من مواجهة نفسك؟ أنقذها الطَرْقْ على باب الغرفة ووصوله.

سارا معا حتى وصلا السوق القديم بمحاذاة الشاطئ. أشغال فنيه يدوية بألوان قوس قزح ، من مواد الطبيعة على الجزيرة، رمال ، خيوط خشنة بلون الأرض ، جريد النخل ، أخشاب تظهر بها تلك الخطوط التي تذكرك بأنها كائن حي وأن تلك الخطوط هي سنوات عمره ، نسيج تستطيع أن ترى وتلمس الأيدي التي حولته للوحة. تتأمل كل قطعة وتغوص في هذا العالم البدائي المربوط بالأرض. تأخذها أزقة السوق اللانهائية في رحلة تفصلها عنه وعن المكان والزمان وتغوص بها داخل نفسها وداخل المخيم.

حل الظلام وأصبحت لا تتعرف على الأزقة أو طريق العودة ، تحاول الاتصال به ولكن هاتفها اختفى ، ولاحظت أنه تحول أثناء رحلتها لكاميرا ثم إلى مرآة ثم إلى صندوق صغير للحُلِي ! ترتبك وتتوتر وفجأة ترى البحر فيُسْكِنها. البحر هادئ ومياهه تتلألأ فيبدأ خفقان قلبها في الانضباط وأنفاسها المتلاحقة في الانتظام. تبدأ عينيها في الاعتياد على ضوء القمر فتلاحظ ظلاً بجوار ظلها على الرمال وهي جالسة على الشاطئ. تحتاج الإحساس بالصحبة والأمان في هذا التيه. تدرك أن هذا الظل كان يرافقها طوال رحلتها ولكنها كانت تحاول الفرار منه متصورة أنه خيال يلاحقها.

يأتيها صوت الظل خافتا .. لا تتركيني فأيامي لا معنى لها بدونك. يزداد صفاء ونقاء مياه البحر تحت ضوء القمر ، فتقرر مواجهة نفسها أمامه: الأطفال في مخيم اللاجئين يسألون عني ، ومنذ تركي لهم وأنا لا أفكر سوى في العودة، هناك اكتشفت ذاتي وسبب وجودي. سأعود للمخيم وربما يوما ما تجمعنا حبيبي هذه الجزيرة مرة أخرى.

رسالة من شجرة

أنا شجرة الفيكس من أكبر وأقدم الأشجار في مصر حيث يزيد عمري عن ١٤٦ عاممن يراني يعتقد أني مرفهة وذلك لأني من سكان جزيرة الزمالك ، بالفعل حالفني الحظ أن أمر الخديوي إسماعيل بزراعتي في هذا المكان القريب من مياه النيل عام ١٨٦٨ ميلادية ، إلا أن المصريين تغيروا كثيرا فلم يعودوا يهتموا بي أو يروني ومن يدرك وجودي أسمعه يشتكي من حجمي الذي يجعل الشارع ضيق و يصعّب عليهم المرور فيه بسياراتهمأعاني من عوادم السيارات ومن الأسمنت الذي يحيط بجذوري من كل جانب إلا أنني أقاوم للبقاء مرفوعة الرأس ثابتة الجذور.

نقلت لي رياح الخريف أنباء حزينة من الجانب الآخر من المدينة البعيد عن النيلأن أشجار الكافور التي تقاوم الموت بسبب قلة المياه على طريق السويس وتناضل لتملأ الهواء بالأكسجين لسكان هذه الأرض الصحراوية يتم تشويهها وتعذيبها واقتلاعها.

وعندما تساءلت أجابتني أحد الأشجار التي تقاوم هناك بأنها وباقي أسرتها التي يصل عددهم لأكثر من ألف شجرة على طول الطريق ” نحن نشأنا على هذا الطريق منذ أكثر من عشرين عام كبرنا على مهل لأن المياه شحيحه ولكنها تصل على أية حال ، البشر المارون علينا عددهم قليل ومن يعتني بنا عددهم أقل ولكننا كنا نكبر باعتناءهم ورفقهم بنا.

مرت الأيام وبدأ عدد المارة يزيد والسيارات تزيدفي الشهر الأخير بدأت حركة غريبة حولنا وعلى طول الطريق سيارات كثيرة تقف على جانبيه يترجل منها بشر تبدو على ملامحهم الصحة والزهو ، ملابسهم نظيفة ومرتبة ، وأخرون يبدو على ملامحهم الضعف والحزن ، وهيئتهم مهلهلة يتحركون وتعلو أصواتهم. بعد بضعة أيام بدأت سيارات وأدوات حفر وجرافات تقترب منا أكثر وتعلو أصوات الجرافات ، وبدا لنا أنهم قرروا توسعة الطريق ورصفه مما أسعدنا لأننا طالما شهدنا حوادث يذهب ضحيتها الكثير من الأطفال والشباب والرجال والنساء. لكن سعادتنا بدأت تتحول لقلق لأن هؤلاء البشر بدأوا يتحركوا بجرافاتهم نحو عددٍ منا لم يكونوا يستهدوفنا ولكن بدون اهتمام وهم يفكفكوا الرصيف أصبحوا يصطدموا بنا.

في البداية كان الجرحى منا عددهم قليل وإصاباتهم طفيفة ولكن بعد فترة ليست بالطويلة بدأت الجرافات في الدخول بعمق نحو جذورنا وإقتلاع العديد منا بدون أن نفهم السبب ، فنحن لم نتخلى عن أدوارنا في الحياة فمازلنا نوفر الظل للمارة ونزهر كل ربيع بأزهار حمراء وصفراء وورية ونقدم الأكسجين كل صباح للبشر لم نتكاسل يوما أو نتخاذل مقابل إهمالهم لنا ، نحن نحب هذه الأرض ونحبهم وهذا ما يجعلنا نشعر بالألم أكثر.

ننظر لذوي الملامح الحزينة والهيئة الرثة ونأمل أن يرفقوا بحالنا فنحن متشابهان فنحن أيضا نحيا حياة صعبة ولكنهم – ويا للعجب – كانوا اشد قسوة ، يعاملونا كأننا أشياء ولسنا كائنات تحمل الحياة مثلهم.

مر علينا اليوم شاب يشبههم ولكن ملامحه كانت حزينه أخذ يتحسس أشلائنا وجذورنا الممزقة وعيونه تترقرق بالدموع يعتذر لنا شجرة شجرة على طول الطريق ، عندما وصل عندي تعرفت عليه هو ” رائد ” ذلك الطفل الذي كان يتمشى مع والده ويمر علينا كل يوم في ذهابه للمدرسه ولكنه اليوم يعمل كمهندس زراعي وعلى ما يبدو ليس بيده شئ لمنع تلك المجزرة. “

وصلتني هذه الرسالة الحزينة وأنا أحمد الله أنني أسكن جزيرة الزمالك فهناك أثرياء وخبراء مهتمون بالطبيعة والبيئة يقوموا اليوم بعمل تعداد للأشجار في الجزيرة مما يعني أنني لن ألقى نفس مصير أشجار الكافور على طريق السويس.

نادي الكتاب

الرؤية مازالت مشوشه فعيوني لم تضبط نفسها على ضوء الشمس الباهت خلف الستائر بعد ، اتحسس الطاولة بجوار السرير فلا أصل لنظارتي، استسلم وأحدق في سقف الغرفة على أمل أن تنضبط الرؤية فاتمكن من الوصول للنظارة أو رؤية الساعة. اتململ قليلا فتتقلص عضلات رقبتي وتؤلمني يبدو أن هناء كانت على حق حين أكدت في أخر محادثة لنا أن ضغوط الحياة تترك آثارها على اجسادنا بشكل مباشر وواضح.

يجب أن أخذ قراري سريعا ، لم أقرأ القصة بعد وسيارتي يجب أن تذهب للصيانة و لا أستطيع القيام من السرير بالأساس ، ولكنها فكرتي أنا أن نلتقي حول قصة قصيرة أو رواية أو شعر أن نلتقي بعد غياب طال سنوات. يبدو أنه لا مجال للتراجع الآن سأذهب للنادي رغم مخاوفي من اللقاء ورغم سيطرة فكرة واحدة علي وهي أنني مكبلة في السرير ولا سبيل للفكاك منه.

انهيت طقوسي الصباحية وكأنني في عرض سينمائي بالتصوير البطيئ ووصلت النادي وبدأت في قراءة قصة بالأمس حلمت بك لبهاء طاهر. عادتا أنزعج بشدة من تأخر الأخرين عن موعدهم معي ولكني اليوم لم أدرك تأخر سلمى وهناء ، وصلن بعد ساعة من موعدنا وكنت في الصفحة الأخيرة من أخر قصة في الكتاب.

جلسنا على الكراسي الخشبية حول حمام السباحة مستسلمين لأشعة الشمس نحاول أن نستمد منها بعض الطاقة التي نفتقدها جميعا. أوقفت نفسي في أخر لحظة قبل أن أبدأ في الشكوى ليس هذا وقته فهذه لحظة لا تتكرر إلا قليلا وكل منا به ما يكفيه من هموم. بدأت في الغناء بصوت خفيض أغنيه طالما جمعتنا أيام الجامعة ” أحلف بسماها وبترابها ، أحلف بدروبها وأبوابها ” فانضمت لي سلمى ” أحلف بالقمح وبالمصنع ، أحلف بالمدنه وبالمدفع ” فسمعتنا هناء وأكتمل الكورس وبدأ صوت غنائنا يعلو تدريجيا حتى وصلنا للحظة الحماسية في الأغنية ” بأولادي بأيامي الجايه ، ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا ” التفت الينا المحيطون بعيون شبه نائمة بفعل اشعة الشمس مستنكرين صوتنا العالي فانفجرنا ضاحكين بشكل طفولي غير متسق مع هيئتنا الأربعينية.

بدأت سلمى تتقمص دور أستاذة الأدب العربي الذي تدرسه في الجامعة الأمريكية وهي تحكي لنا عن قصص الأدب العربي التي تناقش العلاقة بين الشرق والغرب بدأ من قنديل أم هاشم ليحيى حقي وصولا إلى رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح ولمعت عيناها وهي تحكي لنا عن بهاء طاهر وكتاباته. شاركتنا هناء على استحياء فهي تعشق الشعر وتنتظر أن نبدأ في قراءته بدلا من قراءة الرواية ولكنه لقاءنا الأول في نادي الكتاب الذي قررنا أن يجمعنا بعد أن فرقتنا السياسة والأيام.

لم أرغب في الانصراف ، وبعد تركهم تأكدت أن لقائي بهم هو لقاء مع نفسي.

رائحة العطر

(١)

قبّلَها وهي نصف نائمة أمام شاشة التليفزيون – كالعادة – وهي في انتظار عودته ، تبتسم ولكنها تُفِيق لتكتشف أنها كانت تَحلُم.

رائحة القهوة وصوت فيروز هما ما يؤنس وحدتها ، تشعر بثقل خطواتها ولكنها لا تستطيع أن تسرع ، تتحرك بسيارتها في طريقها المعتاد للعمل ، تحرك مؤشر المذياع وتضبطه إلا أنها لا تسمعه ولكنها تغرق في أفكارها. يرن هاتفها المحمول فيأتي صوت سارة زميلتها في المكتب تتأكد من حضورها لأنها تأخرت عن المعتاد. حَضَرت الاجتماع وأرسلت التقارير ومر اليوم سريعا أو بطيئا هي لا تدري ولكنها تعرف أن الوقت حان لترك المكتب والعودة مرة أخرى للبيت.

في غرفة المعيشة لا تحرك مريم المنفضة لأنها لا تريد التخلص من رماد سيجارته الأخيرة والبن جف في الفنجان ولكنها لا تجروء على غسله ، قلمه ومفكرته مازلا في نفس المكان على الطاولة بجوار الجرائد. تنظر إليهم بألم وعلى أمل أن يأتي طارق ويداعبها بقوله ” يا كسلانه شيلي الفنجان وإغسليه صار له يومين في مكانه “.

تفكر فيما كان المفروض أن تقوله حتى لا يخرج وهو غاضب ، تعلم أنها أخطأت ولكنه استفزها كثيرا فهي لن تترك العمل ولا تستطيع أن تسامحه على تركه لها وللبيت. ولكنها تفكر فيما ستقوله عندما يدخل البيت ستعاتبه ، ستغضب وتعبس في وجهه، ولكنها ولليله الثالثة تغفو وحيدة في غرفة المعيشه.

تحلم بأنها تسمع صوت سلسلة المفاتيح في باب الشقة فتفح عينيها فتجده أمامها لوهلة لا تستطيع أن تميز إن كان حلم أم حقيقة ولكنها تفيق و هي غارقة بدموعها في حضنه.

(٢)

البخار يتصاعد من الكوب الزجاجي الشفاف ، فتملأ الرائحة أنفها وكل حواسها ، تشرب الميراميه التي جربتها للمرة الأولى معه عندما فاجأها ألم بالمعدة بعد وجبة دسمه استمتعا بها في بيروت. هذا الصباح معدتها تؤلمها فتفكر في الميراميه. تسرع في اختيار ملابسها الرسمية ذات الألوان داكنة استعدادا لاجتماع مجلس الإدارة ولكنها تتوقف لتحدق في أي عطر ستختار لليوم فهذا العطر طارق اشتراه لها ويحبه عليها أما الزجاجه الأخرى فهي عطرها المفضل قبل أن تلقاه.

كعادتها كل يوم تمر مريم بالسيارة لتصطحب سارة زميلتها في العمل، وهي تنتظرها تفتح الموبايل لتتفحص الفيس البوك بحثا عنه فأمس كان عيد ميلاده تشتاق لعينيه ولديها فضول لتعرف كيف احتفل ومع من ؟ كعادته لا يخذلها الفيس بوك فيطلعها على الكثير مما قد لا ترغب في معرفته بالأساس.

في الاجتماع انفصلت عن مشاعرها وتمسكت بحقوق زملائها وموظفيها فاوضت ولكنها لم تتنازل استمرت النقاشات واللقاءات الثنائية والثلاثية والاتفاق على بعض المقترحات والاختلاف حول البعض الأخر ، تركوا غرفة الاجتماعات وعادوا إليها أكثر من مرة على مدار اليوم. سمعت زملائها في نهاية اليوم يتهامسون بأنها في الحق ” بميت راجل ” وأنهم سعداء لأنها لن تترك العمل”.

(٣)

أخيرا وصلت البيت ، بعد رحلة مليئة بالذكريات بعد أن رأت صورته صباح اليوم على الفيس بوك وهو يحتفل بعيد ميلاده. كان يوم عمل طويل وبالرغم من ذلك لا تشعر بالجوع ولكنها اللحظة المناسبة للمكافأة ، انه وقتها المفضل.

تحدث مريم نفسها ..
” أين وضعت الشمعة التي يفوح منها عطر يذكرني بالجبل في لبنان ؟ ها هي سأشعلها الأن وأضعها في مكان آمن مع عدد أخر من الشموع الصغيرة ليتلألأ ضوئها ” .
” الماء ينساب دافئا يتخلل شعري وتنعشني قطرات المياه الأولى وهي تلمس بشرتي ، أضواء الشموع الخافته تنقلني لعالم أخر ، وفجأة تهاجمني الصور والأفكار لتذكرني بمكان لقائنا الأول في بيروت اقف في هدوء ولا أحرك ساكنا وكأن الزمن توقف. أسمع صوت الموسيقى الهادئة التي اخترتها لترافقني في هذه اللحظات الحميمه واسترخي مع رائحة أشجار الصنوبر “.

” سأعطر بشرتي بكريم تفوح رائحته في كل مكان أتحرك فيه ، أُفكر وأنا أتعطر أنها المرة الأولى منذ عشر سنوات التي اتعطر فيها لنفسي، لقد رحلت ويجب أن أعتاد هذا الأمر. “

رحلة وزيارة

المشهد الأول : رحلة علي

استقلينا السيارة أنا وبعض الأقارب في الصباح الباكر حتى نصل الاسكندرية قبل موعد صلاة الظهر ، تبادلنا أطراف الحديث وشاهدنا حادث مروع يقع أمامنا على الطريق الصحراوي وتخطيناه مع رسالة واضحة أن موعدنا مع هذه الرحلة لم يحن بعد ! لحظة وصولنا للمسجد في سيدي بشر كانت لحظة خروج الجميع يرافقون علي ابن خالي. انفصلت عن رفاقي في الزحام وتحركت كأنني جزء من سرب لأسماك السردين تتحرك بسرعة وفي طريق مرسوم بدقة ، لم أكن أرى سوى مكان وقع خطواتي، الأسفلت ثم التراب ثم المزيد من التراب الذي يعفر حذائي الرياضي الذي ارتديته استعدادا لهذه الرحلة ، بدأ الطريق يضيق والزحام يتزايد وأنفاسي تتلاحق فأنا لا أفهم جيدا ما يدور حولي أعرف أين أنا ولكني لا أستطيع تخيل أي طريق وأي رحلة تلك التي اشارك فيها .. أشعر فجأة بأنني فقدت الوعي وأفيق على دفع سرب أسماك السردين لي ، لا أستطيع التنفس لقد وصلنا لنهاية الرحلة هل سنترك علي هنا ونرحل كيف سنفعل ذلك وهل سيسامحنا على فعلتنا تلك ، كل هؤلاء الأصدقاء والأقارب والمحبين تآمروا عليه، سرنا معه كل هذا المشوار ولكننا أخذنا قرار جماعي بتركه هنا وحيدا وأن نرحل !

المشهد الثاني : زيارة مفروضة

هذا ليس بيت أبي ولكننا فرضنا عليه زيارة هذا المكان والبقاء فيه ، هو لا يحب كل ذلك الهدوء هو يحب الأصوات الكثيرة التي يصدرها حفيده نديم ذو السنتين يحب إزعاجه وصوت الأغنيات التي يسمعها على الكمبيوتر، يجلس على كرسيه في غرفة المعيشه ويمسك ب ” الريموت كنترول ” وينتقل من قناة لأخرى ومن برنامج لأخر فهو يعرف مواعيدهم وأماكنهم. هو وهذا المكان لا يوجد بينهما أي رابط فالمكان منعزل لا يسمع فيه أي أصوات ولا حياة فيه، نديم ليس هناك ولا التليفزيون ولا أمي ولا أنا أو أشرف، كيف تركناه هناك !!

صوت بداخلي يقول ” نحن لم نتركهم هناك وإنما رافقناهم للبوابة التي ستأخذهم لمكان أخر كله حياه .. لن تري أبيك ثانيا ولكن أعلمي أنه يراك ، هو في مكان رحب به كثير من النباتات التي يحبها ويرعاها مثل الموجوده في بيتنا وأكيد قابل ” فارس ” ابنك ذو السبعة أشهر الذي سبقه إلى هناك “

لا أحتمل فكرة أننا تركناهم وحدهم وأعلم أنني لن أزروهم هناك لأنني لن أجدهم ؛ وإنما سألتقيهم عندما يأتي موعد رحلتي أنا.

بيت مدينة نصر

في صباح يوم خريفي أجلس مع والدتي في الشرفة نتبادل اطراف الحديث ونسمات هواء رقيقة تلاطفنا ، حان الوقت لفنجان القهوة تركتها لاعداده واستغرقتني الذكريات

عند انتقالنا للسكن في بيت مدينة نصر كان عمري 15 سنة حينها تركت ابن الجيران واخذت معي كل الشوق والحنين لرؤيته فالبيت الجديد بعيد بعيد …

ذكريات الالم والانكسار بفقد الحبيب الاول في اول عام لي في الجامعة ..

شجرة الليمون اسفل نافذة غرفتي ورائحة زهرها مع كل ربيع ..

كنت استيقظ على صوت فيروز ومارسيل خليفه في الكاسيت الموجود بجوار سريري واجهز كل ليلة الاغنيات التي اود سماعها صباحا من لحظة استيقاظي وحتى لحظة خروجي للجامعة

كانت وجبة الغذاء تجمعنا انا واخي وأبي وأمي كل يوم على طاولة المطبخ الدائرية وكانت احاديثنا عما دار من احداث لكل منا خلال يومه ..

المطبخ له ذكريات لا تنتهي .. رائحة الفول المدمس المنبعثة من المطبخ صباح كل يوم جمعه استعدادا للافطار الهام ، ابي بعد المعاش وهو يتفنن في اعداد طاجن البامية واطباق الفول التي ليس لها مثيل لان ” نفسه حلو ” هكذا نقول دائما لأن لا احد يعد طبق الفول مثل ابي الحبيب كل مرة يعده بطريقة مختلفة.

من هذا البيت خرجت لاول وظيفة لي بعد تخرجي من الجامعة ..

لهذا المنزل كنت اعود في منتصف الليل من الفندق الذي عملت به لمدة عامين ..

امام الشرفة على الشارع الرئيسي كانت تمر سيارة حمراء وتطلق صفارة بلحن مميز اعرف من خلاله ان اهم شخص في حياتي يلقي علي تحية محبة كان ذلك ايام الجامعة ..

أتذكر مكتبتي وكتبي واللوحات التي ازين بها الجدران والساعات التي قضيتها جالسة على الارض اسفل النافذة أقرأ.

شهدت حديقة بيتنا الصغيرة المتواضعة احتفالات خطبتي وزواجي وشهدت الكثير من الاحاديث مع والدي الحبيب الذي يطلب مني الحضور للحديقة لامر هام .. فاعرف من اهتمامه ونبرة صوته ان هناك زرعة جديدة قد انبتت او زهرة تفتحت او ثمرة اينعت على احد اغصان الشجر ..

اذكر الاكواب الشفافة ذات الورود الصغيرة الزهرية الرقيقة التي فاجأتني بها امي يوم خطبتي التي احتفلنا بها في مدينة نصر والتي ازداد جمالها وبهجتها بمجرد امتلاءها بالشربات الاحمر الذي ابرز الزهور الرقيقة ، هذه الاكواب مازالت تزين الخزانة الزجاجية في غرفة الطعام .. من هذا البيت خرجت كعروس بفستاني الابيض.

هنا ولد ابني الاول ..وهنا احتمي من ضغوط الحياة هنا كبر اولادي وكل ذكريات طفولتهم مع تيتا وجدو .. حفلات رأس السنة الهجرية وصلاة العيد وليالي رمضان

أنتبه للقهوة التي انسكبت للمرة الثانية وأنا مستغرقة في ذكرياتي .. أخيرا عدت لامي بالقهوة جلسنا نشربها في هدوء نحاول ان نستمتع بما تبقى لنا من لحظات ونتأمل شجرة البونسيانا التي وصلت للدور الثاني واصبحت تحمينا من نظرات المتطفلين في الشارع لكثافتها وازهارها الحمراء التي تتفجر مع كل ربيع .. فغدا كل الرسائل التي خبأتها وكل الصور التي طبعتها وكدستها في ادراج مكتبي الصغير وكل كتبي وكل ذكرياتي يجب ان اجمعها وارحل .. ابي مات اما بيت مدينة نصر فسيتم هدمه.

أحلام مؤجلة

خطوات راقصة بريئة على أنغام أغنية إنت عمري لأم كلثوم كانت محاولاتها الأولى وهي في الخامسة من عمرها عندما كانت تذهب لخالتها الصغرى زينب لتقضي معها أمتع اللحظات في الغناء والرقص ووضع طلاء الأظافر في عطلة نهاية الأسبوع.

عندما بلغت العاشرة كانت لا تفوت فرصة لمشاهدة أفلام فرقة رضا لتتابع خطواتهم الرشيقة ورقصاتهم المتنوعة فأتقنت رقصة الحجالة بعد أن تدربت كثيرا أمام المرآة ، وحفظت كثير من خطوات فريدة فهمي وخاصة خطوات أغنية ” حلاوة شمسنا ” من فيلم أجازة نص السنة وكانت لا تتردد في تقديم عرض خاص لوالدتها وصديقاتها في أي لحظة تتاح لها ، وذلك بعد أن اصطحبها والدها ووالدتها لعروض فرقة رضا على مسرح البالون.

أما البالية فمحفور في ذاكرتها بعد حرص والديها على حضورها عروض فرقة الباليه المصرية والفرق الأجنبيه التي يتم استضافتها في مسرح سيد درويش. تعشق باليه ” بحيرة البجع ” وباليه ” كارمن” و كانت تتابع بشغف واستمتاع أي عرض على التليفزيون وتذكر أنها كانت تقضي الساعات في غرفتها تجرب خطوات راقصات البالية وهي تستمع للموسيقى الكلاسيكية.

ولكن كبديل للبالية ولإخراج طاقاتها الفنية كانت الراقصة الأولى في فرقة الفنون الشعبية الخاصة بمدرستها الابتدائية وفي مرحلة الجامعة انضمت لفرقة فلسطين للدبكة وقدمت عروض في نقابة المحامين ومسرح الجامعة الأمريكية وغيرها من الأماكن.

توقف نشاطها الفني بعد ذلك ولكن ظل شغفها كامن تسيطر عليه لأنها ليست بالشجاعة الكافية لمواجهة مجتمع تقليدي لا يقدر هذا النوع من الفنون وتواسي نفسها بتلك الكلمات ” ربما كان التعبير الحركي هو مجال إبداعي في حياتي السابقة أو ربما سيكون هو عالمي كله في حياتي القادمة “.