مرَّ أربعون يومًا، وما زال تحرُّري من السرير كل صباح معركة أنتصر فيها حتى هذه اللحظة، ولكن الأرض تدور وعقلي يدور معها، لا أعرف أين رأسي، ولا أين قدماي، أمشي بظهر مستقيم، وخطوات ثابتة لا تُوحي لمن يراني أنني أشعر بالدوار، أو أن هناك عاصفة تجتاحني، قلبي ينبض بعنف مؤلم، يصاحبه شعور بأن الصحراء سكنت رُوحي.
عقلي، أين أنتَ؟ هل مازلت موجودًا؟ يبدو ذلك؛ فأنا أسمع أوامركَ بأن أسيطر على مشاعري وأبدو متماسكة. منذ قليل كنت أبحث عن مكان آمن؛ لأضع فيه الخاتم قبل خروجي من البيت وذهابي للعيادة، فكرتُ أنه يجب أن يعلم شخص ما بمكان وجوده في حال إذا لم أعُد؛ يجب أن يعلموا مكان الخاتم، ولكنك دومًا تخبرني بأنني أهتم بأشياء صغيرة، لا تبدو على هذا القدر من الأهمية.
———————–
في عيادة أنيقة بالمعادي، حديثة التأثيث والطراز، رحبت بي غرفة الاستقبال بألوانها الهادئة ، وصوت خافت لمياه جدول تنساب في الخلفية، شعرت وكأنني دخلت عالمًا توقف فيه الزمن. ابتسم لي السكرتير، وفي تمام العاشرة دعاني للدخول لغرفة الدكتورة سلوى، وهناك كانت تجلس صديقة عمري تراجع في دفترها ملاحظاتها عن زياراتي السابقة..
“كلما رَغِبَتْ فيه لم تجده، فهو كالظلال أو السراب، لم تعتَد غيابه عن الفراش بالرغم من كل تلك السنوات. مر واحد وعشرون عامًا على زفافها، كانت ليلة العرس قبل بدء رمضان بليلة واحدة؛ وذلك لظروف سفر مفاجئة للعمل، فلم يكن متاحًا الزواج في موعد آخر؛ لأن ذلك يعني أنها لن تحظى بحفل يحضره كل الأهل والأصدقاء، ولكنها تذكر أيام حبهما في الجامعة، وفي أحد نهارات رمضان حين التقيا عند القلعة، وحاول أن يمسك يدها وأن يقبلها.. فهي كانت متأكدة أنه سيرغب فيها، ولن يتركها في ليالي رمضان بعد زواجهما.. إلا أنها لا تذكر منذ ذلك اليوم سوى احتياجها له وانصرافه عنها!
هو يحبها، تؤكد مريم على هذا الأمر باستمرار، وتشير لما يعنيه الحب من وجهة نظره، أو وجهة نظر المجتمع، أو من وجهة نظري؛ لأنها تريد أن تقنعني بأنه يحبها بكل الطرق الممكنة. في الحقيقة هي تحبه، ولا تستطيع الاستغناء عنه، وهذا ما لا يمكن تجاهله، ولكن صوتها على الهاتف، وهي تخبرني برغبتها في مقابلتي اليوم، لا يوحي بأن هذا ما أتت من أجله لعيادتي“.
——————–
دخَلْتُ الغرفة– فلاحظت سلوى أن ملامحي تبدلت، فلا تبدو عليها النضارة والحيوية المعتادة– وبعد تحية سريعة اعتدَلْتُ في جلستي، وبدأت أتكلم وكأنني أحدث نفسي: أنا أكره خالد، لم أعد أستطيع تحمل النظر إليه.. طلقني مرتين، وأعيش الطلاق الثالث الآن. أجابتني سلوى: كيف؟! لا يمكن أن يكون قد طلقك؛ فأنت لم تخرجي من بيتك، ولم يسمع أحد عن هذه القصة من قبل. أهمس وكأني أهذي: هل الطلاق هو كلمة أم أنه إحساس بالحرمان؟ إنه يا صديقتي، التجاهل التام وكأنكِ أصبحتِ غير موجودة فعلا، فلا يلامسك، ولا يتعامل معك، ولا ينظر إليكِ، فكأنكِ تحولتِ لهواء لا يمكن رؤيته.
– ولكنكِ أكدتِ لي في آخر زيارة أنه يراكِ حبَّه الوحيد، وأن الأولاد هم أهم شيء في حياته، وأنه يعمل ساعات طويلة لتوفير كل احتياجاتكم.
أسترسل بدون النظر لسلوى: مر أربعون يومًا على تركه المنزل؛ أشعر بأن حياتي توقفتْ.
تترك سلوى مكتبها وتقترب لتجلس في الكرسي المقابل لي..
– لم تتوقف يا مريم، فأنت حاضرة في حياة أولادك بعمق، وتساعدين صديقتك لتنتقل لبيتها الجديد، وتشاركين أمَّكِ مشروعاتها الصغيرة الكثيرة، تتواصلين مع بنات أخيك، وتستمعين لحكاياتهن، تعدين الإفطار والغداء، تنظفين البيت، وتذهبين لشراء احتياجاته، ما زلتِ تقرئين وتكتبين.
وكأن كلمات سلوى جعلتني أدرك أنني فعلا على قيد الحياة؛ فتماسكت ونظرت إليها، وبدأت أتحدث وكأني دخلت الغرفة الآن فقط: ما أحتاجه من خالد هو بعض الوقت والمشاركة والمودة والسكن، ولكني عشتُ معه الوحدة والاغتراب، قاومت تلك المشاعر بمنتهى الشراسة؛ بتجاهلها مرات، وبتغيير قنوات الصحبة والمشاركة، حافظت على مشاعري على مر الأيام؛ لأن الحب الذي وضعه الله في قلبي ما كان إلا لاحتضانه ومشاركته الحياة.
أتوقف لحظة لأشعل سيجارة ثم أكمل: الحياة هي التفاصيل.. هي الدقائق والساعات التي نعيشها كل يوم.. هي إعداد الإفطار معًا.. الذهاب للطبيب.. شراء احتياجات الأولاد.. شرب فنجان الشاي وقت المغرب في الشرفة.. هي قراءة كتاب وهو بجانبي يعبث في أوراقه أو يشاهد أحد برامج التليفزيون.. هي أن نتشارك الأحلام والحياة.. أن أشعر بمخاوفه فأطردها عنه.. ويعرف احتياجاتي فلا يحرمني.. أن يراني وأن أراه. ما تغير يا سلوى هو أننا لا نعيش تلك التفاصيل معًا؛ فخالد لم يعُد يراني!.
عدتُ لشرودي مرة أخرى، الذي لم تقطعه سلوى– كعادتها– عند زيارتي لها في العيادة، وبعد لحظات قررتُ أني تأخرت، وأنني مضطرة للرحيل، على أن أحدد الموعد التالي مع السكرتير، وأنا في طريقي للخروج.
———————–
وصلتُ بيت أبي، وانهمكت مع أمي بتجهيز الملابس الصيفية القديمة؛ لتوزيعها على اللاجئين في القاهرة، فوقعتْ يدي على ملابس تخصني منذ أيام الجامعة، مرارًا رفضت توزيعها لسنوات طويلة.
فجأة تتوالى الصور أمام عيني؛ فأذكر كل التفاصيل بالألوان وكأنها حدثت أمس. خصلات شعري حرة بعد تقصيرها؛ حتى لا يشغلني تصفيفها كثيرًا، ألبس لأول مرة قميصي القطني التركواز، والتنورة القطنية البيضاء ذات الخطوط السوداء والنقاط التركواز، وحذائي الجلدي الأسود بدون كعب الذي أتحرك به في كل مكان، كنا نتمشى في شارع قصر النيل بعد انتهاء لقاء شعري حضرناه معًا حين مر علينا بائع الفل، فهو الربيع ورائحته لا تقاوم، اشترى لي خالد أربعة عقود من الفل؛ شعرتُ بأنني أطير فوق السحاب، وابتسامتي أنارت وجهي الذي تورد من الخجل.
بعدها بأيام معدودات وتحت أشجار حديقة كلية الآداب، قال خالد، بحياء وارتباك، ما يعبر عن حبه لي؛ فأكدتُ له أن مشاعره هي نفس مشاعري. مرّ على هذا اليوم سبعة وعشرون عامًا، حافظتُ فيها على مشاعري تجاهه، لم أختر أن أحبه، ولم أفهم هذا الأمر يومًا؛ فالاختلاف في طباعنا كبير، والمسافة بين شخصيَّتيْنا واسعة؛ فأنا تلقائية، أحب الغناء، أضحك بصوت عالٍ، أما هو فجادّ بصورة غير متناسبة مع عمره، لا يبتسم، متحفظ ومدرب ككادر سياسيّ، سافرتُ كثيرًا حول العالم، بينما هو لم يخرج من مصر يومًا، جمعتنا الثقافة وفلسطين ومشاعر لم أفهم يومًا من أين أتت، بدأت باحترام وتقدير لاهتماماته في الحياة، ثم تطورت لمشاعر اهتمام وحب وعذابات في غيابه.
لاحظتْ أمي شرودي، وتوقفي عن فحص الملابس؛ فسألتني بامتعاض: ألن تتخلي عن هذه الملابس أبدًا؟ لمْ أجب عن سؤالها، ولكني انتبهت، فأكملت ما بدأناه، وظل عقلي معلقًا في تلك المشاعر التي لم تفارقني، عندما يغيب أفتقده، عندما يسافر أشعر بلهفة ليوم عودته، قلبي يخفق مع مشاهد الحب في الأفلام والمسلسلات، وكأننا مازلنا عُشاقًا في الجامعة، وفي رأسي ظل سؤال يتردد: ما الذي تغير؟!
بعد انتهائنا من اختيار الملابس قبَّلتني أمي، وسألتني: متى تحدثتِ مع أختك آخر مرة؟ أشتاق إليها كثيرًا، ولا أعرف كيف أستخدم الآيباد مثلكم؛ لأتحدث معها، أخبريها أنني أريد أن ألقاها في مصر، وأنني لا أستطيع السفر لكندا مرة أخرى، لا تقلقي يا أمي، سأتحدث معها بعد قليل، سأخبرها وأقبلها بالنيابة عنك.
————————–
كنتُ على موعد مع باسم ونسمة؛ لأصطحبهما للنادي، ليلحقا بتدريب كرة السلة والبيانو. طوال الطريق من البيت للنادي لا يتوقف الصراع بينهما على الأغاني التي سنسمعها، واتفقنا أن يكون لكل منهم اختيار لأغنية واحدة بالتبادل. أسمعتنا نسمة أغنية “آديل” الأخيرة، أما باسم فلا يرضى عن “منير” بديلا، وأنا أرجوهما الاستماع لإحدى أغنيات الثورة لفرقة إسكندريلا.
في ساحة انتظار السيارات بالنادي قلت لهما كعادتي: سأتصل بخالتكما، وسأبقى هنا في انتظاركما فلا تتأخرا.
ألتقط الآيباد، وأقرر أنني لا أريدها أن تسمع صوتي، فسأكتب لها على الوتسآب حتى لا تنزعج، ولكن بعد السلام وصور القبلات والقلوب المعتادة المرسلة من أمي لها، تطلب مني أن نتحدث لأنها مشتاقة وترغب في سماع صوتي، أخبرها بأن لدي مشكلة في الصوت، وأحاول تغيير الموضوع، إلا أنها تشعر بأنني أتهرب، وأن هناك أمرًا ما؛ فتسألني بشكل مباشر: ما بكِ؟ لا تقلقيني عليك تكفيني الغربة.
– لا شيء جديد، خالد غاضب قليلا، ويتجنبني كالعادة؛ فلستُ في أحسن حالاتي، لا شيء يدعو للقلق.
– فلتطلبيني إذًا لأسمع صوتك.
هي تسمع صوتي بقلبها؛ ولهذا قررت المماطلة قليلا، وكتبت لها: هو لا يراني كما أنا، هو يرى ما يحتاجه مني فقط، يجب أن أتفرغ للأولاد، ويجب أن أكون متاحة دومًا ومتفرغة له، وفي نفس الوقت لا أكون لحوحة في الاتصال به أو ملاحقته، جميلة أنيقة رقيقة مستعدة له حين يريد ذلك، يحتاج إلى أن أستمع له، ولكن التطور الأخير أنه أصبح له مستمعون كثر؛ فلم يعد هذا الدور من أدواري الرئيسية!.
ما إن انتهيتُ من كتابة هذه الجملة حتى وجدتها تطلبني، فشعرت بأن وقت المواجهة الذي أجلته طويلا قد حان؛ فلم أستطع المراوغة أكثر، ولم أملك إلا أن أردّ عليها..
– قالت: كلي آذان صاغية، احكِي لي ما بكِ حقًّا..
– سأحكي لك يا هالة، سأحكي ما أخفيته عنكِ وعن أمي، طوال سنوات زواجي وحتى اليوم..
خالد هددني بالطلاق أول مرة صيف ٢٠٠٤، خالد مَن طابت رُوحي عند لقائه، ومن اخترتُ أن أكمل حياتي معه، ولطالما دعوتُ ربي أن نكبر معًا ونشيخ سويًّا، قال: “لا يمكن لحياتنا معًا أن تستمر“. هذا ما قاله بعد سوء تفاهم حدث بيننا، وبدأ البحث في إجراءات الطلاق. حاولت أن أستعيده بكل الطرق؛ لأني أحبه، ولأني لم أفكر حتى في أصعب لحظات حياتنا أنني أريد الطلاق، ضخامة المفاجأة وقتها تسببتْ في ألم وحزن لا ينتهيان. لكن أذكر أنني بعد فترة أقبلت على الحياة بقوة، واستطعتُ رؤية وإدراك أبعاد جديدة لنفسي وحياتي، وشُفِيَت رُوحي.
ثم هددني بالطلاق مرة ثانية بعدها بتسعة أعوام، فكانت التجربة أعمق؛ فتركت جراحًا لم تندمل، ولكن غريزة البقاء غطتها بطبقات من الرضا والتقبل. قررت وقتها أن هذا هو فعل الحسد والعين أو الشيطان، وأنه بإذن الله سيعود لرشده؛ لأنه لم يكن هناك موقف أصلا يجعله يصل ويقرر ويخبرني بأنه سيطلقني، وأنه سيتركني أنا والأولاد، وأنه سيسكن في بيت آخر! في المرة الثانية أيضًا انهرتُ تمامًا لأنني لا أريد الطلاق، فبالرغم من أن حياتنا بها منغصات فإن الأشياء الرائعة بها أكبر.
منذ أربعين يومًا بدأ في تهذيبي وتأديبي، ببناء الجدار العالي والسميك بيننا كعادته، في مثل هذه الحالات، فهو لا ينظر لوجهي، ولا يتحدث معي، أو يرد على سلامي، ولا يأكل في البيت، وكأنني غير موجودة، ويخبرني بأنه سيطلقني إذا كررتُ هذا الخطأ، لا أستطيع التنبؤ متى ستأتي نوبة غضبه القادمة، ولا أعرف كيف ستنتهي هذه التجربة الثالثة للطلاق، أخاف مما قد أخسره، وأحاول بكل ما تبقى لديّ من قوة أن أحيي مشاعري، وأقنع نفسي بوجودها، ولكنه يقتلها بكامل إرادته، في كل مره يعلن قراره بالطلاق..
ضمتنا لحظات صمت طويلة، وكأننا فقدنا الاتصال، ولكني كنت أشعر بها، وكأنها معي داخل السيارة.. وبدأت أرى الكلمات تصلني على شاشة الآيباد..
– الحياة مشوار قد يقصر أو يطول، ولكنه مشوار سنمشي فيه فرادى؛ لأننا في النهاية سنقابل ربنا وحدنا، ولكننا نبحث في طريقنا عن أشخاص أو أشياء تؤنس وحشة طريقنا.
لن نحصل على كل ما نريد؛ لأن ما نريد مركب ومتفرد، ولا يحتاجه شخص آخر بنفس التفاصيل؛ ولهذا لن نجد السعادة كما نتصورها، ولكننا نحاول أن نشعر بالسعادة بما لدينا من أشياء وأشخاص..
ليست مسؤولية هؤلاء الأشخاص الذين نصادفهم في حياتنا أن يقدموا لنا كل ما نحتاجه..
ولكن مسؤوليتنا هي أن نجد ما نبحث عنه في طريقنا..
فمسؤوليتنا هي أن نكتفي بأشخاصنا، وبما هو متاح لنا من أسباب السعادة..
فجأة يُفتَح باب السيارة، وتدخل معه الحياة والهواء والضجيج، يقول باسم: هل مازلتما تتحدثان؟ يا إلهي، ألا ينتهي الكلام؟ من أين تأتيان بكل تلك الحكايات؟ تقاطعه نسمة: نفتقدك يا خالتي، ألن تفي بعهدك وتأتي لزيارتنا بدلا من تلك الزيارات على الإنترنت؟.
– سأحاول، ولكن حتى أصل إليكم قبِّلوا جدتكم بالنيابة عني، وأعطوها أحضانًا لا تنتهي، إلى اللقاء، إلى اللقاء.
———————–
دخلت سريري وحدي كالعادة، وأخذت أحدث نفسي..
أنا أتنفس فعلا وأتحرك وآكل بشراهة، ولكن هناك صحراء تسكن رُوحي، أعلم أن عليَّ البقاء حية؛ لأن هناك مَن يحتاجني في هذه الحياة، التغيير يحدث ولا أملك أن أوقفه، كيف يحدث ذلك؟ لطالما كنت أسيطر على مجريات حياتي، ودائمًا عندي خطة وخطة بديلة، أسيطر على مشاعري، وأتحكم في ردود أفعالي، عندما أرتبك أقف وأتأمل وأكتب وأتحدث؛ حتى أصل للطريق الجديد الذي سيساعدني على استكمال الحياة، ألجأ للحب والقناعة والرضا والحكمة، ألجأ لخبرات الآخرين.
لم تعد لي السيطرة على أي شيء، كل يوم أستيقظ لأكتشف أين وصلت مشاعري، واليوم اخترتُ أن أخفي خاتم زواجي للمرة الأولى منذ واحد وعشرين عامًا، ولا أعلم إن كنت سأرغب في استعادته مرة أخرى. قد يكون أمرًا غير ذي أهمية، كما أخبرني عقلي صباح اليوم، سأنتظر لأعلم.
—————
أقف كل صباح أمام نتيجة الحائط بغرفتي وأكتب رقمًا، غاب عني تسعين يومًا، والأيام ما زالت تمضي. خلال سنوات زواجنا كتبت أرقامًا على نتيجة الحائط مرات ومرات، لكن أقصى أيام الغياب كان ستين يومًا. في كل مرة أحزن وأشتاق؛ فيخبرني قلبي بما يجب عليَّ فعله حتى يتوقف العدّ على صفحة النتيجة، وكنت أنجح في الاقتراب والاطمئنان مرة أخرى في حضنه، ولكن اليوم طاقتي نفدت.
كان رد فعلي دومًا على غيابه هو التحمل والتقبل والصبر وتهدئة الأمور، وعدم التصعيد، ولكن ما جهلته أو تجاهلته هو أن هناك دومًا حدودًا، حدودًا لم أكن أعلم مكانها، ولكنه دفعني دفعًا، وضغط بكل ما لديه من قوة ليقذف بي إلى ما بعدها، ليتوقف نبض قلبي ليحرم نفسه، ويحرمني من الحب..
امسكتُ هاتفي المحمول، وكتبتُ رسالة أخيرة “أنا اخترتُ أن أعيش معك، وأن أتنازل عن حريتي الكاملة، كان عندي بيت وأهل يعطونني ما أحتاج إليه من حنان واهتمام، كان عندي عمل وطموح وأحلام، كانت الدنيا كلها ملكي، وكل الأحلام مسموحة. اخترتُ أن أشاركك حياتي من أجل الدفء والصحبة، ولكن ما حصلتُ عليه في النهاية هو البرد والوحدة، اختياري لم يكن لبيت كبير، ولا لسيارة حديثة فارهة، ولا للسفر، ولا للأكل في فنادق الخمس نجوم.. أنا اخترتك لآنس بك، وأطمئن بوجودي بجوارك في هذه الحياة القاسية.. عشتُ أشعر بوحدة، وكان مَن يؤنس وحدتي هم أهلي، مَن تركتهم لآنس بك!”.
وبالطبع لم يأتِني رد..
توقفت مشاعري، ولم أستطع فهم هذا الأمر حتى الآن.. لا أشعر بحنين أو ألم لهجرك لي.. بل إصرار على المضي قُدمًا وحدي في تلك الحياة، كما بدأتها معك وحدي.. أودِّعك يا توأم رُوحي.. فغدًا سيكون اليوم الأول من العام الجديد، والبداية الجديدة لحياتي.
14 يناير 2016